و للسقوط أنواع أخرى لا نعيرها انتباها، و هي بمثابة السقوط الأول من حيث المضمون و تختلف معه في الشكل فقط.
من بين هذه الأشكال المتعددة يوجد السقوط من العين... و هو عندما تتدهور علاقتك مع أحدهم بعد أن ألحق بك كل أنوار الضرر النفسي... عندما تذهب كل الوعود في مهب الريح و تستبدل جلدها لتتحول إلى نفاق مستمر... عندما تخلو العلاقة من الحماس و الدهشة التي رافقتها في البداية فتتحول إلى علاقة راكدة تطفو على السطح... عندما تفقد هذه الأخيرة الاحترام يسقط الطرف المسئول من أعلى درج من سلم التقدير ، و تسقط بذلك كل التوقعات و الأحلام التي كانت مرتقبة و ذلك الشخص، و للناس في ذلك مذاهب ، كل و كيف تكون ردة فعله حينها.
أما السقوط الثاني فهو سقوك من الذاكرة ، بحيث يتدحرج بعض الناس عرفناهم في زمن مضى و جمعتنا و إياهم ظروف خاصة إلى نسيانهم ... عندما تقل اللقاءات تدريجيا و تغيب الوجوه عن العين ، فتميل بشكل عفوي إلى الانصهار في الذاكرة ، و تغيب كليا عن أفكارنا، و هي لم تترك لنا ما يذكرنا بها و ما يغطي ذاكرتنا المشوشة بالدفء بين الفينة و الأخرى... ألم يقولوا أن أصحاب الهدايا يرغبون في الخلود في ذاكرتك إلى الأبد؟
و يأتي النوع الأخر و هو السقوط من الوجدان ، حيث يتنكر القلب لذلك الشخص و ينضب... يفرغ كل آثاره منه و يتخلى عن تلك المودة و المحبة التي كانت تزين الفؤاد ، و تتغير الأقنعة لتستبدل بأخرى محايدة...
وهنا يختلف الأمر بين البشر ، نظرا لما يتحكم في ذلك من تجارب متراكمة و تربية و وعي و طريقة في التفكير و في تحليل الأمور، كلها عوامل تتحكم في ردود أفعالنا و تحدد المنهج الذي سنتخذه للتعامل مع المتغيرات من حولنا... و منه فسبل تسلق القلوب مختلفة، فبعض القلوب يلزمها العطاء و التضحية المادية و المعنوية، و بعضها يلزمها الخضوع و الاستسلام، و أخرى يلزمها التوافق و الالتحام، و البعض الآخر يلزمها الانسجام و التزاوج في الأفكار.
و بعد، فكيفما كان نوع السقوط بكل المعاني السلبية التي ترافقه ، تربط بين كل أنواعه علاقة ترابط و استلزام، فالسقوط من العين يؤدي إلى السقوط من القلب و بعدها من الذاكرة بشكل تام... و ذلك لا يعطي للأمر خاصية القاعدة ، فأحيانا قد يسقط الإنسان من القلب و رغم ذلك يفرض عليك الاستمرار في احترامه و تقديره.
و يبقي أسوأ سقوط هو عندما يسقط الإنسان من العين و لكن القلب لا يجد لذلك مخرجا ، فيبقى متصلبا فيه لا ينفك عن مغادرته... فهل الزمن كفيل بمحو كل الأثار أم أن الحب خالد لا يؤمن بفصل التقادم؟