- أن سورة الفجر سورة مكية، ولم يكن هناك عيد أضحى ، ولم تكن الشعائر فرضت حينئذ، صحيح أن هناك بعض الآيات المكية التي كانت تحتمل تفسيرا مستقبليا ، مثل قوله تعالى : قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى ، فقد فسرها بعضهم على أنها زكاة الفطر ، وصلاة عيد الفطر ، لكن التفسير المباشر أيضا عن زكاة النفس وتطهيرها كان صحيحا أيضا ، وكان يتسق مع مضمون السورة. أما في سورة الفجر ، فإن معنى الليالي العشر الذي جاء في كتب التفاسير ، لا علاقة له بضمون السورة جملا وتفصيلا ، وخاصة الإشارة في قوله تعالى : هل في ذلك قسم لذي حجر؟فقد كان هذا الاستفهام يشعرني بأن الآية تشير إلى سر ما لا أعرفه ، ثم تشير الآية إلى مفاتيح هذا السر في قوله تعالي، ألم تر كيف فعل ربك بعاد ، إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جابوا الصخر بالواد وفرعون ذي الأوتاد، الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد.
- وكنت أقول ما :علاقة ذلك بشهرذي الحجة أو شهر رمضان ؟
وبعد أن قدمت في بعض الكتب الصادرة حديثا ملامح نظرية عن الفروق الدلالية بين جمع التكسير وجمع المذكر السالم ، وجدت أن هذه النظرية في قوله تعالى : وليال عشر ، بصيغة جمع التكسير ، وجدتها تقودني إلى تفسير جديد لليالي العشر، وحين بحثت في كتاب الله عن قصة عاد ، وجدت هذه الإشارة العددية في قوله تعالى : سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما، ثم انتقلت إلى قصة ثمود ، فوجدت هذه الإشارة العددية : فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ، أي ليليتن اثنتين ، لأن السبع ليال في قصة عاد يقابلها ثمانية أيام ، ثم تبقى ما حدث مع فرعون وبني إسرائيل ، فوجدت أنه قد غرق في ليلة واحدة بعد استقراء آيات القرآن بدءا من قوله تعالى : فأتبعوهم مشرقين ،(أي صباحا) ثم استغرق عدة ساعات ليلحق ببني إسرائيل ، ثم معجزة شق البحر ، ثم عبور بني إسرائيل خلال عدة ساعات ، ما يعني دخول الليل ، واقتراب الفجر مع غرق فرعون ، وهذا يعني أن ذلك كان في ليلة واحدة. .
- فإذا جمعنا هذه الليالي : سبع ليال + ليلتين + ليلة واحدة ، فإن الناتج يكون( ليال عشر) ، وهو يتفق مع قوله تعالى : والشفع والوتر أي الأعداد الزوجية والأعداد الفردية (7+2+1) ، أما لماذا قدم الشفع على الوتر ؟ فذلك لأنه ابتدأ بقوله (وليال عشر) وهو عدد زوجي ، وهذا (التفسير ) هو ما أرتاح إليه ، لأنه يتفق مع فكرة الترابط الموضوعي في السورة.
لكن النتائج المترتبة على صحة هذا التفسير ، نتائج لن تكون مريحة لدى الكثيرين ، لأن ذلك يعني التردد في قبول أقوال المفسرين في كثير من القضايا الأخرى ، و هذا لم قصدي من هذه الدراسة الموجزة ، فأنا تتلمذت على تلك المدرسة التقليدية في التفسير والتي لها وجاهتها واحترامها ، لكن الذي أقصده هو أن القرآن معجزة متجددة ، ولغته لغة موحية ومشعة ، وتحتمل كثيرا من المعاني ، ولذلك ينبغي على الأمة أن تسعى إلى تطوير آليات تعاملها مع كتاب الله بحيث يمكن اكتشاف الكثير من الأسرار التي لن تنتهي عبر الأجيال، وأتصور أن هذا يأتي في سياق تجديد الخطاب الديني ، ولكن بضوابط مقبولة.